الحدث
معركة الوعي في مواجهة التضليل
تعزيز الجبهة الداخلية الحصن المنيع أمام مخططات الأعداء
- بقلم ايمان سايح
- نشر في 04 سبتمبر 2025

تجد الجزائر اليوم، نفسها في مواجهة تحدٍّ غير تقليدي، تتصدره موجات من الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، تُستخدم بذكاء في إطار ما يُعرف بحروب الجيل الخامس، هذه الحملات، وإن كانت غير مرئية، إلا أن آثارها حقيقية، وتستهدف بشكل مباشر تماسك الجبهة الداخلية وزعزعة ثقة الجزائريين في مؤسساتهم، وفي ظل هذا السياق، يُصبح وعي المواطن الجزائري حجر الزاوية في معركة الدفاع عن الوطن، برفضه لأن يكون أداةً لتنفيذ مخططات تستهدف أمن البلاد واستقرارها.
تُدرك الجزائر جيدًا أن التهديدات لم تعد محصورة في أشكالها التقليدية، بل اتخذت بعدًا جديدًا يتغلغل في الفضاء الرقمي، حيث تُنسج الأكاذيب وتُفبرك الصور، وتُصاغ الروايات المضلِّلة بدقة لتبدو واقعية ومقنعة، وتستهدف هذه الحملات، في كثير من الأحيان، رموز الدولة، القطاعات الحساسة، والمؤسسات الوطنية، بهدف خلق البلبلة، وزرع الشك، وتأليب الرأي العام.
وعي المواطن... حجر الزاوية في المعركة
ورغم أهمية التشريعات والإعلام، إلا أن الدرع الأقوى في هذه الحرب يبقى وعي المواطن، هذا ما أكدت عليه وزارة الدفاع الوطني في أكثر من مناسبة، حيث دعت الجزائريين إلى عدم الانسياق وراء الأخبار المغلوطة، والتحقق من مصادر المعلومات قبل تداولها، محذرة من أن كل إعادة نشر لخبر كاذب تُساهم في تنفيذ أجندة أعداء الوطن.
إن معركة الجزائر ضد الأخبار الكاذبة ليست ظرفية، ولا مجرد صراع إعلامي، بل هي معركة وعي ذات أبعاد استراتيجية تمس أمن البلاد واستقرارها الداخلي، فالرد على هذه الهجمات لا يقتصر على الحجب أو العقاب، بل يتطلب بناء مجتمع ناقد، إعلام مسؤول، ومؤسسات يقظة. فـ"معركة الوعي" – كما وصفها خبراء إعلام وأمن – لا ينتصر فيها إلا من يمتلك الحقيقة ويدافع عنها بثقة واحتراف، ومع كل تحدٍ، تُثبت الجزائر أن تلاحم مؤسساتها ومواطنيها هو السلاح الأقوى لحماية الجبهة الداخلية في وجه كل محاولات التشكيك أو الزعزعة.
ولفتت وزارة الدفاع الوطني في منشور سابق، إلى أن هذه الهجمات لا تصدر فقط عن أفراد أو جهات معزولة، بل تقف وراءها أطراف خارجية وتنظيمات معادية، تستخدم التكنولوجيا الحديثة لأغراض تشويه صورة الجزائر داخليًا وخارجيًا، وتقويض ثقة المواطنين في دولتهم.
استراتيجية شاملة لمواجهة الظاهرة
وأمام هذه التحديات، لم تبق الجزائر في موقع المتفرج، بل بادرت إلى وضع استراتيجية شاملة تجمع بين التشريع، الإعلام، التكوين، والتعاون الإقليمي، لمواجهة هذه الظاهرة المتنامية، فمن الناحية القانونية، تم تعديل المادة 196 مكرر من قانون العقوبات لتشديد العقوبات على من يروج أو ينشر عمدًا أخبارًا كاذبة من شأنها المساس بالأمن العام، أما على المستوى الإعلامي، فقد شُرع في إصلاحات عميقة لقطاع الاتصال، شملت تقنين الإعلام الإلكتروني، وإنشاء هيئات جديدة لضبط أخلاقيات المهنة ومراقبة جودة المحتوى الإعلامي، كما تم إدراج الصحافة الإلكترونية ضمن آليات الإشهار العمومي، ما يشكل دعمًا ماليًا واستقلاليًا لهذا القطاع حتى لا يتحول إلى منبر لترويج التضليل بسبب ضغوط التمويل.
يذكر أن الجزائر نظّمت خلال شهر أفريل الماضي ورشة إقليمية حول الأخبار الزائفة وتداعياتها على أمن الدول، عكست وعي السلطات بأن معركة المعلومات لم تعد مجرد شأناً إعلاميًا، بل قضية سيادية وأمنية بامتياز، حيث شدد العميد رشدي فتحي موساوي، مدير الأمن الخارجي ومكافحة التجسس، في كلمته على أن "التضليل الإعلامي يُستخدم اليوم كوسيلة لتفكيك المجتمعات وضرب مؤسساتها"، داعيًا إلى تنسيق استخباراتي وإعلامي إقليمي لمجابهة هذه الهجمات.
وبدورها، باشرت وسائل الإعلام تحركات فعلية لتفنيد الإشاعات وكشف حملات التضليل المنظمة، وتمثل مبادرة تأسيس جبهة إعلامية وطنية موحدة، أحد أبرز معالم هذا التوجه الجديد، حيث تم تنظيم لقاءات وورشات جهوية شارك فيها صحفيون وإعلاميون من مختلف الولايات، بهدف تحصين الجسم الإعلامي وتعزيز قدراته في التعامل مع محتوى التضليل، وقد أظهرت بعض المؤسسات الإعلامية تجاوبًا ملموسًا مع هذه الاستراتيجية، عبر إنتاج محتوى استقصائي وتفسيري يفضح الأكاذيب، ويُبرز الحقائق بلغة بسيطة وأرقام دقيقة.