الحدث
"اليربوع الأزرق"... جريمة لا تسقط بالتقادم
في الذكرى الـ 64 للتفجيرات النووية فرنسا تواصل التنصّل
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 13 فيفري 2024

تحل علينا اليوم، الذكرى الـ 64 لواحدة من أقذر جرائم الإبادة الجماعية في العالم، اقترفها الاستعمار الفرنسي بالجنوب الجزائري الكبير، بعد أن أقدمت يد الإجرام الفرنسية في 13 فيفري 1960 بتفجير أول قنبلة ذرية في سماء صحراء رقان، في إطار عملية حملت "اسم اليربوع الأزرق"، تسببت في كارثة بشرية وطبيعية، ليواصل ملف الذاكرة رهن مستقبل العلاقات الجزائرية-الفرنسية، التي يتعمد الجانب الفرنسي التماطل في الاعتراف والاعتذار، متجاهلا أن بناء علاقات متينة ومستقرة لن يتم إلا بتسوية هذا الملف.
تمر اليوم 64 سنة على إلقاء جيش الاستعمار الفرنسي قرابة 70 ألف طن من المتفجرات، على المدنيين بالصحراء الجزائرية، يؤكد الخبراء والمؤرخون أنها تعادل 5 أضعاف قنبلة هيروشيما في اليابان، حيث قام الاستعمار الفرنسي في تلك الفترة بـ 57 تجربة نووية شملت 4 تفجيرات جوية في منطقة رقان و13 تفجيرا تحت الأرض في عين إيكر، إضافة إلى 35 تجربة في الحمودية و5 تجارب على البلوتونيوم في المنطقة ذاتها التي تبعد 30 كلم عن الجبل، لتبقى هذه التفجيرات النووية جرائم ضد الإنسانية غير قابلة للتقادم وتستدعي قيام المسؤولية القانونية، ناهيك عن المسؤولية السياسية المبنية على مبدأ استمرارية الدولة.
ويعاني سكان هذه المناطق من مخلفات التفجيرات، حيث يتم تسجيل سنويا عدة حالات سرطان وتشوهات عند حديثي الولادة وإعاقة وعقم واضطرابات نفسية مزمنة، إلى جانب الأضرار الكبيرة التي تهدد السلامة البيئية والإقليمية، ولم يتم إلى غاية اليوم تسليم السلطات الجزائرية خرائط ومخططات تبين أماكن دفن العتاد المستعمل أثناء هذه التفجيرات بالرغم من النداءات والمبادرات الكثيرة التي قامت بها عدة جمعيات للمطالبة بالتكفل بالضحايا وكذا تطهير مواقع النفايات الإشعاعية واسترجاع الأرشيف الصحي والتقني.
وأوردت وكالة الأنباء الجزائرية أمس، تقريرا بالمناسبة، اكدت من خلاله أن الملف التفجيرات النووية لا يزال بعد مرور أكثر من ستة عقود، "محاطا بعقد الماضي الاستعماري التي تحول دون معالجة مسؤولة وصريحة لملف الذاكرة الذي يرهن مستقبل العلاقات الثنائية الجزائرية-الفرنسية ويؤجل أي مسعى لتوسيع مجالات التعاون انطلاقا من قاعدة صلبة أساسها الثقة، مضيفة أن محاولة معالجة آثار جريمة الإبادة التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية بتاريخ 13 فبراير 1960، "تلفها تعقيدات مستجدة، ظاهرها يتعلق بمعوقات قانونية تقصي الضحايا الجزائريين من حقهم في التعويض وباطنها يتعلق بإرادة سياسية متذبذبة تفتقد إلى شجاعة الاعتراف وصدق النوايا وصراحة الطرح".
وأشارت برقية وكالة الأنباء إلى أنه، وبالرغم من طرح قضية التفجيرات النووية على طاولة الحوار خلال الدورة التاسعة من المشاورات السياسة الجزائرية-الفرنسية التي جرت أشغالها في جانفي 2023 بالجزائر العاصمة، إلا أن هذه المسألة تبقى حسب تصريحات إعلامية سابقة لوزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، من بين خمسة ملفات ترهن مساعي تطوير العلاقات الثنائية، فإلى جانب المطالبة ب "تسوية المسائل المتعلقة بالذاكرة وتنقل الأشخاص والتعاون الاقتصادي وإعادة متعلقات رمزية للأمير عبد القادر"، فإن الجزائر تطالب خاصة بـ"الاعتراف بالأضرار الناجمة عن التفجيرات النووية وتعويض الضحايا".
وكان رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، قد أكد في تصريح سابق للصحافة، أن الجزائريين "ينتظرون اعترافا كاملا بكل الجرائم التي اقترفتها فرنسا الاستعمارية"، وشدد بخصوص التفجيرات النووية، على ضرورة قيام فرنسا "بتنظيف المواقع النووية ومعالجة ضحايا التجارب النووية"، وخلال المشاورات السياسية بين البلدين، التزم الجانب الفرنسي بـ"تسريع مسار إعادة الأرشيف ومعالجة مسألة مواقع التجارب النووية التي ينبغي إعادة تأهيلها، وبالتالي الإسهام في التعامل مع المستقبل في جو من الهدوء والاحترام المتبادل"، وقد تمت مناقشة هذه المسألة من بين عدة محاور أخرى تضمنها "إعلان الجزائر" الذي وقع عليه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، مع نظيره الفرنسي، شهر أوت 2022 ونص على إنشاء لجنة مشتركة من المؤرخين الجزائريين والفرنسيين تكون مسؤولة عن معالجة جميع القضايا بما فيها تلك المتعلقة بالتفجيرات النووية، كما اتفق الطرفان على تشجيع "قراءة موضوعية وصادقة لجزء من تاريخهما المشترك".
غير أن الواقع يكذب صدق النوايا في معالجة هذه القضية، حيث لم يتمكن إلى غاية اليوم، إلا جزائري واحد مقيم بالجزائر، من الاستفادة من التعويض من قبل السلطات الفرنسية، باعتباره ضحية لهذه التفجيرات، حسب المكلف بالدراسات في مرصد التسلح بفرنسا، الخبير توني فورتين.وقبل حوالي ثلاثة أشهر، رفضت المحكمة الإدارية في ستراسبورغ بشرق فرنسا، طلبات التعويض المقدمة من عائلات أشخاص لقوا حتفهم نتيجة هذه التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية وفي بولينيزيا بين عامي 1960 و1998، وذلك بحجة "التقادم".
وقالت محامية العائلات سيسيل لابروني إن "المحكمة لم تبرئ الدولة الفرنسية، لكنها اعتبرت ببساطة أن الإجراء قد بدأ بعد فوات الأوان"، مضيفة أن "وزارة الجيوش لن تتمكن دائما من الاختباء خلف مسائل قبول الدعوى لإعفاء نفسها من مسؤوليتها"، ويسمح القانون الفرنسي المعروف باسم "قانون مورين" منذ جانفي 2010، بالاعتراف بالضحايا المباشرين لهذه التفجيرات وتعويضهم، لكنه لا ينص على أي تدابير لأقاربهم فيما يتعلق بالضرر المعنوي أو العائلي أو المادي، كما أنه يحوي عدة ثغرات لصالح الطرف الفرنسي.
وبهذا الصدد، أكد الخبير الفرنسي توني فورتين، في تصريح سابق، أن تطبيق "قانون مورين" يطرح "مشكلة حقيقية" بعد مرور 14 سنة عن صدوره، معتبرا أن "الوضع معقد" فيما يتعلق بالتعويضات التي لا تزال "محدودة للغاية مقارنة بالعدد الفعلي للضحايا"، وكشف عن دراسة قام بها مرصد التسلح حول نفايات التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر والتي تم تضمين توصياتها في تقرير المؤرخ بنجامين ستورا بداية 2021، معربا عن أسفه كون "حتى الآن، لا يبدو أن شيئا قد تغير على هذا المستوى".
وعادت برقية وكالة الأنباء الجزائرية، إلى إنشاء الوكالة الوطنية لإعادة تأهيل المواقع القديمة للتفجيرات النووية سنة 2021، في إطار تسريع الدولة الجزائرية للإجراءات الهادفة إلى تدارك المخاطر التي تمثلها مخلفات هذه التفجيرات النووية، حيث أن النشاط الإشعاعي البيئي في المناطق التي شهدت هذه الجريمة يبقى مرتفعا بسبب استمرار مخلفات الإشعاعات، وفي تلك الفترة، ادعت قوات الاحتلال الفرنسي أن ما أسمته "التجارب" تجرى في مناطق غير آهلة وصحراوية وهي رقان (أدرار) وعين ايكر "تمنراست" في الوقت الذي كانت هذه المناطق تؤوي قرابة 20 ألف مواطنا مدنيا، وقد طالبت مجموعة من المنظمات الدولية غير الحكومية، في رسالة بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التفجيرات النووية شهر أوت الماضي، السلطات الفرنسية بـ"رفع السرية عن أرشيف التجارب النووية للاطلاع عليها من طرف المنظمات الدولية التي تشرف على المراقبة وعدم التحجج بأسرار الدفاع والأمن القومي، وكشف مواقع دفن النفايات وتنظيفها وتسهيل رفع دعاوى التعويض للضحايا الجزائريين والتوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية أو التصديق عليها".